الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **
وهي سنة خمسين وخمسمائة. فيها دخلت الترك نيسابور بعد أن كان بينهم وبين أهلها قتال عظيم ونهبوا وسبوا وقتلوا بها نحوًا من ثلاثين ألف نسمة منهم محمد بن يحيى شيخ الشافعية وكان الملك سنجر شاه السلجوقي معهم في الأسر وعليه اسم السلطنة وهو مقيد معتقل على أقبح وجه يخدم نفسه ويجلس وحده في أضيق مكان. وفيها توفي محمد بن ناصر بن محمد بن علي بن عمر السلامي الدار الفارسي الأصل. سمع الحديث ورحل إلى البلاد وكان حافظا متقنًا عالمًا بالأسانيد والمتون ضابطًا ثقة من أهل السنة. ومات في شعبان. وأنشد لغيره: البسيط دع المقادير تجري في أعنتها واصبر فليس لها صبر على حال ما بين رقدة عين وانتباهتها يقلب الدهر من حال إلى حال وفيها توفي هبة الله بن علي أبو محمد بن عرام كان فاضلا شاعرًا. ومن شعره في ذم إنسان: مخلع البسيط جميع أقواله دعاوي وكل أفعاله مساوي ما زال في فئه غريبًا ليس له في الورى مساوي وفيها توفي محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن إبراهيم أبو بكر القيسي المغربي المالكي مات بفاس في ذي القعدة. وكان فقيهًا أديبًا مترسلا شاعرًا. ومن شعره: الخفيف ورسول يأتي بوعد حبيب وحبيب يأتي بلا ميعاد قلت: وقد تغالى الناس في رسول الحبيب وقالوا فيه أحسن الأقوال. فمن ذلك قول بهاء الدين زهير من أول قصيدته: الطويل رسول الرضا أهلا وسهلا ومرحبا حديثك ما أحلاه عندي وأطيبا وأحسن ما سمعت في هذا المعنى قول صفي الدين الحلي: مجزوء الكامل من كنت أنت رسوله كان الجواب قبوله هو طلعة الشمس الذي جاء الصباح دليله وفي المعنى للسراج الوراق: الكامل إن كانت العشاق من أشواقهم جعلوا النسيم إلى الحبيب رسولا فأنا الذي أتلو لهم: يا ليتني كنت اتخذت مع الرسول سبيلا ومما يقارب هذا المعنى ما أنشدني الحافظ شهاب الدين بن حجر لنفسه إجازة إن لم يكن سماعًا: الطويل أتى من أحبابي رسول فقال لي ترفق وهن واخضع تفز برضانا فكم عاشق قاسى الهوان بحبنا فصار عزيزًا حين ذاق هوانا الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال: وفيها توفي أبو العباس أحمد ابن معد التجيبي الأقليشي. وأبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن العصائدي النيسابوري. وأبو القاسم سعيد بن أحمد بن الحسن ابن عبد الله بن أحمد بن البناء في ذي الحجة. وأبو الفتح محمد بن علي بن هبة الله بن عبد السلام الكاتب. والحافظ أبو الفضل محمد بن ناصر بن محمد بن علي السلامي في شعبان وله ثلاث وثمانون سنة. وأبو الكرم المبارك بن الحسن الشهرزوري المقرئ في ذي الحجة. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم خمس أذرع وتسع عشرة إصبعًا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وسبع عشرة إصبعًا. السنة الثالثة من خلافة الفائز بنصر الله وهي سنة إحدى وخمسين وخمسمائة. فيها خلع الخليفة المقتفي بالله على سليمان شاه بن محمد شاه بن ملكشاه السلجوقي بعد عمه سنجر شاه خلعة السلطنة: التاج والطوق والسوار والمركب الذهب واستحلفه الخليفة أن يكون العراق للخليفة ولا يكون لسليمان شاه المذكور إلا ما يفتحه بسيفه من غير العراق وخطب له على منابر العراق بالسلطنة وتم أمره إلى ما سيأتي ذكره. وفيها خلص السلطان سنجر شاه من أسر الترك بحيلة وهرب إلى قلعة ترمذ بعد أن أقام عندهم أربع سنين في الذل والهوان حتى ضرب بحاله عندهم الأمثال. وفيها توفي عبد القاهر بن عبد الله بن الحسين أبو الفرج المعروف بالوأواء الشاعر المشهور. كان أصله من بزاعة ونشأ بحلب وبزاعة بضم الباء الموحدة وفتح الزاي وبعد الألف عين مهملة مفتوحة وهاء وهي قرية من أعمال حلب وتأدب بحلب وبرع في الأدب وقول الشعر وشرح ديوان المتنبي. ومما ينسب إليه من الخمريات - وقيل هما لغيره - قوله: الوافر مجرة جدول وسماء آس وأنجم نرجس وشموس ورد ورعد مثلث وسحاب كأس وبرق مدامة وضباب ند قلت: ويعجبني في هذا المعنى قول يزيد بن معاوية: الكامل ومدامة حمراء في قارورة زرقاء تحملها يد بيضاء فالراح شمس والحباب كواكب والكف قطب والإناء سماء وما أظرف قول ديك الجن عبد السلام بن رغبان: الوافر عجبت لعاصريها كيف ماتوا وقد صنعوا لنا ماء الحياة ومما قيل في هذا المعنى - دوبيت -: يا ساقي خصني بما تهواه لا تمزج أقداحي رعاك الله دعها صرفًا فإنني أمزجها إذ أشربها بذكر من أهواه وفيها توفي علي بن الحسين الشيخ الإمام الواعظ أبو الحسن الغزنوي الملقب بالبرهان. قدم بغداد وسمع الحديث ووعظ وكان فصيحًا مفوهًا. كان السلطان مسعود السلجوقي يزوره. ولما أقام ببغداد أمرت الخاتون زوجة الخليفة المستظهر أن يبنى له رباط ووقفت عليه قرية اشترتها من الخليفة المسترشد. وانتفع الناس بجاهه وماله. وكان له أدب ونظم. فمن شعره قوله: السريع كم حسرة لي في الحشا من ولد إذا نشا وكم أردت رشده فما نشا كما نشا وله في غير هذا المعنى وأجاد: السريع يحسدني قومي على صنعتي لأنني في صنعتي فارس سهرت في ليلي واستنعسوا هل يستوي الساهر والناعس وفيها توفي السلطان مسعود بن محمد ملك الروم. وتولى ممالك الروم بعده ابنه قليج أرسلان بن وفيها توفي الشيخ أبو العز بن أبي الدنيا القرشي الصوفي البصري. كان أبوه محتسب البصرة وكان شاعرًا مجيدًا أعني أباه. ومن شعره: الرجز ما بال قلبي زائدًا غرامه ودمع عيني هاطلا غمامه وذلك الجمر الذي خلفتم على الحشا لا ينطفي ضرامه الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال: وفيها توفي أبو القاسم إسماعيل بن علي النيسابوري ثم الأصبهاني الحمامي الصوفي في صفر وقد شارف المائة. وأبو القاسم الحسين بن الحسن بن البن الأسدي بدمشق في ربيع الآخر. وأبو الحسن علي بن أحمد بن محمويه اليزدي الشافعي المصري. وأبو عبد الله محمد بن عبد الله بن سلامة الكرخي في شوال. والشيخ أبو البيان نبا بن محمد بن محفوظ القرشي ابن الحوراني الدمشقي اللغوي الشافعي الزاهد القدوة. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ست أذرع وتسع عشرة إصبعًا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وثماني أصابع. السنة الرابعة من خلافة الفائز بنصر الله وهي سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة. فيها جمع الملك محمد شاه بن محمود شاه بن محمد شاه بن ملك شاه السلجوقي التركمان والأكراد وسار حتى قارب بغداد وبعث إلى الخليفة المقتفي يطلب منه الخطبة والسلطنة فقيل له: السلطان هو سنجر شاه بن ملكشاه عم أبيك وأنتم مختلفون. فلم يلتفت محمد شاه حتى قدم بغداد وحصرها ووقع له بها أمور وطال الأمر بينهم إلى أن رحل منها إلى جهة همذان. وفيها كانت زلازل عظيمة بالشام وحلب وحماة وشيزر وغالب بلاد الشام والشرق وهلك خلق كثير حكي أن معلمًا كان بحماة في كتاب فقام من المكتب يقضي حاجة ثم عاد وقد رقع المكتب على الصبيان فماتوا بأسرهم. والعجب أنه لم يأت أحد يسأل عن صبي منهم بل جميع آبائهم ماتوا أيضًا تحت الهدم في دورهم. ووقعت أبراج قلعة حلب وغيرها وهلك جميع من كان في شيزر إلا امرأة واحدة وخادمًا. وساخت قلعة فامية وانشق تل حران نصفين وظهر فيه بيوت وعمائر قديمة. وانشق في اللاذقية موضع ظهر فيه صنم قائم في الماء وخربت صيداء وبيروت وطرابلس وعكا وصور وجميع قلاع الفرنج. وعمل شعراء ذلك العصر في هذه الزلزلة أشعارًا كثيرة. وفيها ملك الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي بن آق سنقر المعروف بالشهيد حصن شيزر وزال ملك بني منقذ عنها بعد أن ملكوها سنين كثيرة. وفيها توفي أحمد بن عمر الشيخ الإمام العلامة أبو الليث السمرقندي الحنفي. كان إمامًا فقيهًا حسن الهيئة كثير الصمت غزير العلم واسع الحفظ. حج وعاد إلى بغداد وصنف التصانيف المفيدة النافعة وتفقه به جماعة كبيرة. ولما خرج من بغداد خرج الناس لوداعه فلما ودعهم أنشد: مخلع البسيط يا عالم الغيب والشهاده إن بتوحيدك الشهاده أسأل في غربتي وكربي منك وفاة على الشهاده وخرج في قافلة فلما ساروا قطع قوم الطريق على القافلة المذكورة وقتلوا منهم جماعة كبيرة من العلماء فيهم صاحب الترجمة فقتل الجميع شهداء. وفيها توفي أحمد بن المبارك بن محمد بن عبد الله. ولد سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة. كان أديبًا شاعرًا فاضلا. ومن شعره: دوبيت ساروا وأقام في فؤادي الكمد لم ينق كما لقيت منهم أحد شوق وجوى ونار وجد تقد ما لي جلد ضعفت ما لي جلد وفيها توفي السلطان سنجر شاه ابن السلطان ملكشاه بن ألب أرسلان بن داود بن ميكائيل بن سلجوق بن دقماق السلطان أبو الحارث - وقيل: اسمه أحمد. وسمي بسنجر لأنه ولد بسنجار في شهر رجب سنة تسع وسبعين وأربعمائة حين توجه أبوه إلى غزو الروم - ونشأ ببلاد الخوز وسكن خراسان واستوطن مدينة مرو. وكان دخل بغداد مع أخيه محمد شاه على الخليفة المستظهر. قال سنجر شاه: فلما وقفنا بين يدي الخليفة المذكور ظن أني أنا السلطان فافتتح كلامه معي فخدمت وقلت: يا مولانا أمير المؤمنين السلطان هو أخي وأشرت إلى أخي محمد شاه ففوض إليه السلطنة وجعلني ولي عهده. قلت: ولما مات محمد شاه خوطب سنجر شاه هذا بالسلطنة وكان قبلها في ملك ضخم نحوًا من عشرين سنة وخطب له على عامة منابر الإسلام وأسره الترك أربع سنين حسب ما ذكرناه في وقته. ثم خلص وكاد ملكه أن يرجع إليه فأدركته المنية فمات في يوم الاثنين رابع عشر شهر ربيع الأول. ودفن بمرو في قبة بناها بها. وكان روى الحديث وعنده فضيلة. وأصابه صمم في آخر عمره. واستقر الملك بعده لابن أخيه أبي القاسم محمود بن محمد شاه بن ملكشاه السلجوقي. الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال: وفيها توفي السلطان معز الدين أبو الحارث سنجر بن ملكشاه السلجوقي في شهر ربيع الأول وبقي في الملك نحوًا من خمسين سنة. وأبو صابر عبد الصبور بن عبد السلام الهروي. وأبو عمرو عثمان بن علي البيكندي الزاهد ببخارى. وأبو حفص عمر بن عبد الله الحربي المقرئ. وأبو بكر محمد بن عبيد بن نصر بن الزاغوني. وشيخ الشافعية أبو الحسن محمد بن المبارك بن الخل. وأبو القاسم نصر بن نصر العكبري الواعظ في ذي الحجة. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ست أذرع وإحدى وعشرون إصبعًا. مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعًا وإحدى عشرة إصبعًا. السنة الخامسة من خلافة الفائز بنصر الله وهي سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة. فيها اتفق السلطان محمد شاه السلجوقي مع أخيه ملكشاه وأمده بعساكر فسار إلى خوزستان وفتحها. وفيها توفي عبد الأول بن عيسى بن شعيب بن إبراهيم أبو الوقت الهروي المنشأ السجزي الأصل. ومولده في سنة ثمان وخمسين وأربعمائة. وحمله أبوه من هراة إلى بوشنج على عنقه فسمع صحيح البخاري وقدم بغداد وطال عمره وحدث وسمع منه خلائق وألحق الصغار بالكبار. وكان كثير التعبد والتهجد. ومات ببغداد ودفن بالشونيزية عن نيف وتسعين سنة. وفيها توفي يحيى بن سلامة بن الحسين بن محمد الشيخ أبو الفضل الحصكفي. ولد بطنزة مدينة صغيرة بديار بكر ونشأ بحصن كيفا وانتقل إلى ميافارقين. وكان إمامًا في كل فن وله أدب وترسل وشعر. ومن شعره: البسيط والله ولو كانت الدنيا بأجمعها تبقي علينا ويأتي رزقها رغدا ما كان من حق حر أن يذل لها فكيف وهي متاع يضمحل غدا قلت: وهذا الشعر تكلم به الحصكفي المذكور عن خاطري. وكثيرًا ما كنت ألهج بهذا المعنى نثرًا قبل أن أقف على هذين البيتين فطابقا ما كان يخطر ببالي فلله دره. ومن شعره أيضًا قوله: البسيط على ذوي الحب آيات مترجمة تبين من أجله عن كل مشتبه عرف يلوح وآثار تلوح وأس - - رار تبوح وأحشاء تنوح به الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال: وفيها توفي أبو الوقت عبد الأول بن عيسى السجزي الصوفي في ذي القعدة وله ست وتسعون سنة. وأبو مسعود عبد الجليل بن محمد كوتاه الحافظ بأصبهان في شعبان. وعلي بن عساكر بن سرور المقدسي الكيال بدمشق في شوال عن ست وتسعين سنة. والعلامة أبو حفص عمر بن أحمد بن منصور النيسابوري الصفار أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم سبع أذرع سواء. مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعًا وعشر أصابع. السنة السادسة من خلافة الفائز بنصر الله وهي سنة أربع وخمسين وخمسمائة. فيها غرقت بغداد وصارت تلالا لا يعرف أحد موضع داره. وفيها توفي عبد الواحد بن حميد بن مفرج الدمشقي. كان أديبًا شاعرًا فصيحًا. ومن شعره قوله من أول قصيدة: الرمل ظالمي في الحب أضحى حكمي كيف لا يأثم في سفك دمي كم كتمت الحب عن عاذلتي حذر البين فلم ينكتم وفيها توفي السلطان محمد شاه بن محمود شاه ابن محمد شاه بن ملكشاه بن ألب أرسلان بن داود بن ميكائيل بن دقماق بن سلجوق أبو نصر السلجوقي. قد تقدم نبذة كبيرة من ذكره في الحوادث. ولما حاصر بغداد كان مريضًا وبلغه موت عمه سنجر شاه فزاد به المرض إلى أن مات على باب همذان في ذي الحجة. واختلف الأمراء بعد موته فمنهم من مال إلى أخيه ملكشاه ومنهم من مال إلى سليمان شاه ومنهم من مال إلى أرسلان شاه ثم اتفقوا على سليمان شاه. وكان محبوسًا بالموصل فجهزه زين الدين صاحب الموصل بإشارة الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي المعروف بالشهيد فأجلسوه على سرير الملك بهمذان. وكان قصدهم أن يأكلوا به البلاد لأنه كان مشغولا باللهو إلا أنه كان فاضلا جوادًا مشفقًا أمينًا. وأما محمد شاه صاحب الترجمة فإنه كان شابًا وعنده شجاعة وإقدام وكرم. وفيها توفي محمد بن أبي عقامة أبو عبد الله قاضي زبيد. كان حاكمًا على اليمن ولما تغلب ابن مهدي على اليمن قتله وقتل ولده وكانا فاضلين. ومن شعر محمد هذا من أول قصيدة قوله: البسيط للوجد عنكم روايات وأخبار وللعلا نحوكم حاج وأوطار وحيث كنتم فثغر الروض مبتسم وأين سرتم فدمع العين مدرار لله قوم إذا حلوا بمنزلة حل الندى ويسير الجود إن ساروا تشتاقكم كل أرض تنزلون بها كأنكم لبقاع الأرض أمطار الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال: وفيها توفي أبو القاسم أحمد بن المبارك بن عبد الباقي الذهبي القطان. وأبو جعفر أحمد بن محمد بن عبد العزيز العباسي المكي النقيب في شعبان. وأبو زيد جعفر بن زيد بن جامع الحموي صاحب الرسالة. وأبو علي الحسن بن جعفر ابن عبد الصمد بن المتوكل. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم سبع أذرع وثماني عشرة إصبعًا. مبلغ الزيادة خمس عشرة ذراعًا وإصبع واحدة. السنة السابعة من خلافة الفائز بنصر الله وهي سنة خمس وخمسين وخمسمائة. على أن الفائز مات فيها في شهر رجب وحكم في باقيها العاضد بالله عبد الله. فيها في يوم الجمعة سلخ صفر أرجف ببغداد بموت الخليفة المقتفي بالله العباسي فلما كان ثاني شهر ربيع الأول تحقق الناس موته ودعي الناس إلى بيعة ولي العهد المستنجد بالله أبي المظفر يوسف بن محمد المقتفي وتم ذلك وبويع بالخلافة. وفيها توفي الحسن بن علي بن عبد الله بن أبي جرادة أبو علي ثقة الملك الحلبي الحنفي. نشأ بحلب ثم سافر إلى مصر فتقدم عند وزيرها الملك الصالح طلائع بن رزيك وكان طلائع المذكور يحترمه لفضله وبيته. ومات بمصر في هذه السنة - وقيل: في سنة إحدى وخمسين يا صاحبي أطيلا في مؤانستي وذكراني بخلاني وعشاقي وحدثاني حديث الخيف إن به روحًا لروحي وتسهيلا لآماقي وفيها توفي حمزة بن أسد بن علي بن محمد أبو يعلى التميمي العميد الدمشقي ويعرف بابن القلانسي. كان فاضلا أديبًا مترسلا جمع تاريخ دمشق وسماه النيل وذكر في أوله طرفًا من أخبار المصريين وبعض حوادث السنين. وقد نقلنا عنه نبذة في هذا الكتاب. وكانت وفاته بدمشق في يوم الجمعة سابع شهر ربيع الأول ودفن يوم السبت بقاسيون. ومن شعره: الكامل إياك تقنط عند كل شديدة فشدائد الأيام سوف تهون وانظر أوائل كل أمر حادث أبدًا فما هو كائن سيكون وفيها توفي الأمير قايماز الأرجواني أمير الحاج. حج غير مرة بالناس. وكان شجاعًا عادلا رفيقًا بالحاج محسنًا إليهم. دخل ميدان دار الخلافة يلعب بالكرة فسقط من الفرس فمات فحزن الخليفة عليه والناس ثم أمر الخليفة أمراء الدولة أن يمشوا في جنازته. وكان حج بالناس مدة سنين. وفيها توفي الخليفة المقتفي بالله أمير المؤمنين أبو عبد الله محمد ابن الخليفة المستظهر بالله أحمد ابن المقتدي بالله عبد الله ابن الأمير محمد ابن الخليفة القائم بأمر الله عبد الله ابن القادر بالله أحمد ابن الأمير إسحاق ابن الخليفة المقتدر بالله جعفر ابن المعتضد بالله أحمد ابن الأمير الموفق طلحة ابن الخليفة المتوكل على الله جعفر ابن المعتصم محمد بن الرشيد هارون بن المهدي محمد بن أبي جعفر المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي العباسي البغدادي. بويع بالخلافة بعد قتل ابن أخيه الراشد بالله في شهر رمضان سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة. ومولده في سنة تسع وثمانين وأربعمائة. وأمه أم ولد تدعى بغية النفوس - وقيل: نسيم - ومات في يوم الأحد ثاني شهر ربيع الأول ودفن بداره بعد أن صلي عليه بالمسجد. وكانت خلافته أربعًا وعشرين سنة وثلاثة أشهر وواحدًا وعشرين يومًا. وولي الخلافة من بعده ابنه المستنجد يوسف. وكان إمامًا عالمًا أديبًا شجاعًا حليمًا دمث الأخلاق كامل السودد خليقًا بالخلافة قليل المثل في الأئمة. رحمه الله تعالى. الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال: وفيها توفي العميد أبو يعلى حمزة بن أسد التميمي ابن القلانسي رئيس دمشق في عشر التسعين. وأبو يعلى حمزة بن علي بن هبة الله بن الحبوبي الثعلبي البزاز في جمادى الأولى. وصاحب غزنة خسرو شاه بن مسعود السبكتكيني. والفائز عيسى بن الظافر بن الحافظ العبيدي أقاموه في الخلافة بمصر وله خمس سنين أو دونها وكان يصرع فمات في رجب وبايعوا العاضد. وتوفي المقتفي لأمر الله أمير المؤمنين محمد ابن المستظهر بالله ابن المقتدي في شهر ربيع الأول وله ست وستون سنة وكانت دولته خمسًا وعشرين سنة وأمه حبشية. وأبو المظفر محمد بن أحمد بن التريكي الهاشمي. وأبو الفتوح محمد بن محمد بن علي الطائي الهمذاني. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم خمس أذرع وعشر أصابع. مبلغ الزيادة ثماني عشرة ذراعًا وعشر أصابع. خلافة العاضد بالله على مصر الخليفة أبو محمد عبد الله العاضد بالله ابن الأمير يوسف ابن الخليفة الحافظ بالله عبد المجيد ابن الأمير محمد ابن الخليفة المستنصر بالله معد ابن الظاهر بالله علي بن الحاكم بأمر الله منصور بن العزيز بالله نزار بن المعز لدين الله معد بن المنصور إسماعيل ابن القائم بالله محمد بن المهدي عبيد الله الفاطمي العبيدي المغربي الأصل المصري الحادي عشر من خلفاء بني عبيد بمصر والرابع عشر بالثلاثة الذين ولوا بالمغرب: المهدي والقائم والمنصور. ولد سنة أربع وأربعين وخمسمائة وقيل سنة أربعين. وقال قاضي القضاة شمس الدين أحمد بن خلكان - رحمه الله -: ولد يوم الثلاثاء لعشر بقين من المحرم سنة سبع وأربعين وخمسمائة وبويع في رجب بعد موت ابن عمه الفائز بنصر الله سنة خمس وخمسين وخمسمائة وهو ابن إحدى عشرة سنة وشهور. وكان أبوه يوسف أحد الأخوين اللذين قتلهما عباس الوزير بعد قتل الظافر. انتهى. وقال أبو المظفر بن قز أوغلي في تاريخه: وتوفي يعني العاضد يوم عاشوراء وعمره ثلاث وعشرون سنة فكانت أيامه إحدى عشرة سنة. واختلفوا في سبب وفاته على أقوال. أحدها أنه تفكر قي أموره فرآها في إدبار فأصابه ذرب عظيم فمات منه. والثاني أنه لما خطب لبني العباس بلغه فاغتم ومات وقيل: إن أهله أخذوا عنه ذلك وقالوا: إن سلم فهو يعلم وإن مات فلا ينبغي أن ننغض عليه هذه الأيام التي بقيت من عمره. والثالث أنه لما أيقن بزوال دولته كان في يده خاتم له فص مسموم فمصه فمات منه. وجلس صلاح الدين في عزائه ومشى في جنازته وتولى غسله وتكفينه ودفنه عند أهله. واستولى السلطان صلاح الدين على ما في القصر من الأموال والذخائر والتحف والجواهر والعبيد والخدم والخيل والمتاع وغيره. وكان في القصر من الجواهر النفيسة ما لم يكن عند خليفة ولا ملك مما كان قد جمع في طول السنين. فمنه: القضيب الزمرد وطوله قبضة ونصف والجبل الياقوت الأحمر والمرة اليتيمية مثل بيض الحمام والياقوتة الحمراء وتسمى الحافر وزنتها أربعة عشر مثقالا. ومن الكتب المنتخبة بالخطوط النفيسة مائة ألف مجلد. ووجد عمامة القائم وطيلسانه كان البساسيري بعث بهما إلى المستنصر يعني لما استولى البساسيري على بغداد وأسر الخليفة القائم العباسي وخطب ببغداد للمستنصر من بني عبيد ثم بعث بعمامة القائم وطيلسانه فأخذوهما خلفاء مصر فاحتفظوا عليهما نوعًا من النكاية في بني العباس فهذا شرح قول أبي المظفر من عمامة القائم والطيلسان. قال: ووجدوا أموالا لا تعد ولا تحصى. وأفرد صلاح الدين أهل العاضد ناحية عن القصر وأجرى عليهم جميع ما يحتاجون إليه وسلمهم إلى الخادم قراقوش فعزل الرجال عن النساء واحتاط عليهم. ومما وجد في خزانة العاضد طبل القولنج الذي صنع للظافر وكان من ضربه خرج منه ريح واستراح من القولنج - قلت: قد تقدم الكلام قبل ذلك على هذا الطبل في محله -. قال: فوقع الطبل إلى بعض الأكراد فلم يدر ما هو فكسره لأنه ضرب عليه فخرج منه ريح فحنق وضربه وكسره. قال: وفرق صلاح الدين الأموال التي أخذها من القصر في العساكر وباع بعض الجواري والعبيد وأعطى للقاضي الفاضل من الكتب ما أراد وبعث إلى نور الدين بعمامة القائم وطيلسانه وهدايا وتحف وطيب ومائة ألف دينار. وكان نور الدين بحلب فلما حضرت بين يديه قال: والله ما كان لي حاجة إلى هذا ما وصل إلينا عشر معشار ما أنفقناه على العساكر التي جهزناها إلى مصر وما قصدنا بفتحها إلا فتح الساحل و قلع الكفار منه. وانقضت أيام الخلفاء المصريين بوفاة العاضد وعدتهم أربعة عشر على عدد بني أمية إلا أن أيامهم طالت فملكوا مائتين وثماني سنين وبنو أمية ملكوا نيفًا وتسعين سنة. قال: وأول المصريين عبيد الله الملقب بالمهدي. قلت: ليس هو كما قال: إن عبيد الله أول خلفاء المصريين وإنما أولهم المعز لدين الله معد. نعم إن كان قصد بأن يكون أولهم ممن دعي له على المنابر بالمغرب وأطلق عليه اسم الخليفة فيكون وأما أنه ملك مصر فلا. ويأتي بيان ذلك. وقد تقدم أيضًا في ترجمة المعز وغيره. قال أبو المظفر: قال ابن عبد البر: هو عبيد الله بن محمد بن ميمون بن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق - عليه السلام -. والثاني ابنه أبو القاسم محمد ويلقب بالقائم بأمر الله والثالث ابنه إسماعيل ويلقب بالمنصور والرابع ابنه معد ويلقب بالمعز لدين الله. - قلت: وهذا المعز هو الذي تقدم ذكره أنه أول من ولي مصر من بني عبيد وبنى له جوهر القائد القاهرة وهو أول خليفة سكن مصر من بني عبيد ولهذا كنا نقول في تراجمهم الأول من خلفاء مصر والرابع ممن ولي من آبائه بالمغرب وعلى هذا سلكنا في تراجمهم -. قال: والخامس ابنه نزار ويلقب بالعزيز بالله والسادس ابنه منصور ويلقب بالحاكم بأمر الله والسابع ابنه علي ويلقب بالظاهر لدين الله والثامن ابنه معد ويلقب بالمستنصر بالله وقد ولي ستين سنة والتاسع أبو القاسم أحمد ويلقب بالمستعلي والعاشر ابنه منصور ويلقب بالآمر بأحكام الله وانقطع نسله وولي ابن عمه أبو الميمون عبد المجيد بن أبي القاسم بن المستنصر ويلقب بالحافظ لدين الله وهو الحادي عشر والثاني عشر ولده إسماعيل ويلقب بالظافر والثالث عشر أبو القاسم عيسى ويلقب بالفائز بنصر الله والرابع عشر عبد الله بن يوسف بن الحافظ ويلقب بالعاضد. انتهى كلام صاحب مرآة الزمان وغيره. قلت: فائدة جليلة لم يل الخلافة أحد من الفاطميين بعد أخيه وهذا لم يقع لغيرهم. وأما عدد خلفاء بني أمية فهم كما قال: أربعة عشر لكنه ما عدهم فنقول: هم معاوية بن أبي سفيان ثم ابنه يزيد بن معاوية ثم ابنه معاوية بن يزيد ثم مروان بن الحكم ثم ابنه عبد الملك بن مروان ثم ابنه الوليد ابن عبد الملك ثم أخوه سليمان بن عبد الملك ثم ابن عمه عمر بن عبد العزيز بن مروان ثم يزيد بن عبد الملك ثم أخوه هشام بن عبد الملك ثم الوليد الفاسق ابن يزيد بن عبد الملك ثم ابن عمه يزيد بن الوليد بن عبد الملك المعروف بالناقص ثم أخوه إبراهيم ثم مروان بن محمد بن مروان بن الحكم المعروف بالحمار وهو آخرهم قتل بسيف بني العباس. وقد خرجنا عن المقصود ولنعد إلى ترجمة العاضد وما يتعلق به. قلت: وكان وزير العاضد شاور. وشاور هذا هو الذي وقع له مع الأمير أسد الدين شيركوه الآتي ذكره ما وقع. يأتي ذلك كله في ترجمة ابن أخيه السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب مفصلا لكن نذكر هنا من أحوال شاور المذكور نبذة كبيرة ليكون الناظر بعد ذلك فيما يأتي على بصيرة بترجمة شاور المذكور. وكان شاور قد وزر للعاضد بعد قتل رزيك ابن الملك الصالح طلائع بن رزيك. وكان دخوله إلى القاهرة من قوص في سنة ثمان وخمسين وخمسمائة لما ملكها رزيك ودخل معه خلق كثير ونزل بدار سعيد السعداء ودخل معه أولاده طيئ وشجاع. فلما وزر زاد الأجناد على ما كان لهم عشر مرات. وكان يجلس والأبواب مغلقة عليه خيفة من حواشي رزيك. وكان رزيك أنشأ أمراء يقال لهم البرقية ويقال لكبيرهم ضرغام. فولى شاور ضرغامًا المذكور الباب وكان فارسًا شجاعًا جمع على شاور حتى أخرجه من القاهرة وقتل ولده الأكبر المسمى بطيئ وبقي ابنه شجاع المنعوت بالكامل. فسار شاور إلى الشام واستنجد بالملك العادل نور الدين محمود بن زنكي بن آق سنقر المعروف بالشهيد فأرسل معه الملك العادل أحد أمرائه وهو الأمير أسد الدين شيركوه بن شادي. يأتي ذكر ذلك كله في آخر هذه الترجمة وأيضًا في ترجمة السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب بأوسع من هذا بعد أن نذكر أقوال جماعة من المؤرخين قال الحافظ أبو عبد الله الذهبي في تاريخ الإسلام - بعد ما ساق نسبته إلى أن قال -: العبيدي الرافضي الذي زعم هو وبيته أنهم فاطميون وهو آخر خلفاء مصر. ولد سنة ست وأربعين وخمسمائة في أولها. فلما هلك الفائز ابن عمه واستولى الملك الصالح طلائع بن رزيك الديار المصرية بايع العاضد وأقامه صورة وكان كالمحجور عليه لا يتصرف في كل ما يريد ومع هذا كان رافضيًا سبابًا خبيثًا. قال ابن خلكان: كان إذا رأى سنيًا استحل دمه. وسار وزيره الملك الصالح طلائع بن رزيك بسيرة مذمومة واحتكر الغلات فغلت الأسعار وقتل أمراء الدولة خيفة منهم وأضعف أحوال دولتهم فقتل ذوي الرأي والبأس وصادر أولي الثروة. وفي أيام العاضد ورد حسين بن نزار بن المستنصر العبيدي من المغرب وقد جمع وحشدت فلما قارب مصر غدر به أصحابه وقبضوا عليه وأتوا به إلى العاضد فذبحه صبرًا في سنة سبع وخمسين. ثم قتل العاضد طلائع بن رزيك ووزر له شاور فكان سبب خراب دياره ودخل أسد الدين إلى ديار مصر وقتل شاور ومات أسد الدين شيركوه وقام في الأمر ابن أخيه صلاح الدين يوسف بن أيوب وتمكن وقال القاضي جمال الدين بن واصل: حكى لي الأمير حسام الدين بن أبي علي قال: كان جدي في خدمة صلاح الدين فحكى أنه لما وقعت هذه الواقعة يعني وقعة السودان بالقاهرة التي زالت دولتهم فيها وزالت آل عبيد من مصر يأتي ذكر هذه الواقعة في آخر ترجمة العاضد إن شاء الله تعالى قال: وشرع صلاح الدين يطلب من العاضد أشياء من الخيل والرقيق والأموال ليتقوى بذلك. قال: فسيرني يومًا إلى العاضد أطلب منه فرسًا ولم يبق عنده إلا فرس واحد فأتيته وهو راكب في البستان المعروف بالكافوري الذي يلي القصر فقلت: السلطان صلاح الدين يسلم عليك ويطلب منك فرسًا فقال: ما عندي إلا الفرس الذي أنا راكبه ونزل عنه وشق خفيه ورمى بهما وسلم إلي الفرس فأتيت به صلاح الدين ولزم العاضد بيته. واشتغل صلاح الدين بالأمر وبقي العاضد معه صورة إلى أن خلعه وخطب في حياته لأمير المؤمنين المستضيء بأمر الله العباسي وأزال الله تلك الدولة المخذولة. انتهى.
|